الدكتور محمد محي الدين أبوبيه
الدكتور محمد محي الدين أبوبيه


« الفتى عبدالصبور» قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين أبوبيه

صفوت ناصف

السبت، 29 يونيو 2024 - 04:57 م

 سكب دلو الماء على رأسه، وأخذ يرجه رجا عنيفا، ثم نظر إلى السماء مرددا (يارب رحماك) من هذه السخونة الجحيمية، أنا لا أستطيع تحملها وعملي يتطلب المكوث أسفل الشمس الغاضبة بأشعتها الضاربة في جنباتنا بحدها المسنون الطاعن بقسوة، رحماك يارب.

 

رفع جوال القمح الذي أمامه وثبته بحنكة فوق كتفه ثم استدار باعتدال ملقيا إياه فوق سيارة نقل كبيرة، استمر في سيرته تلك طيلة نهاره الملتهب، وهو على وتيرة واحدة بين دلو الماء الذي يملأه من المجرى الصغير القابع بجوار (شونة القمح) وبين الأجولة يصبر نفسه بتلك الكلمات التي يعلم أنها لن تغن عنه شيئا.

 

 بتمهل يغيظ كل من بالساحة ذهبت الشمس بعيدا، ارتاح (عبدالصبور) من عناء نهاره وعقله لا يكف عن التفكير في مستقبله وهل سيظل هكذا حبيس الأجولة وهذه (الشونة) التي ستأتي بنهاية أجله باكرا.

 

 كان قد التحق بها بعد أن فشل في الدراسة ولم ينجح في أن يمر من المرحلة الابتدائية، فأخذه خاله الذي يتولى تربيته بعد وفاة والده وألقاه لملاحظ الشونة حتى يجد له عملا بها فاختار له التحميل عندما رأى قوة بنيانه رغم صغر سنه ومنحه غرفة صغيرة ملحقة بطرفها يعيش فيها.

 

 مع نسيم الهواء الضئيل..تأرجحت أفكاره حتى استقرت على خزنة الشونة، اليوم رأى المحاسب يضع بها مبلغا يتجاوز مئات الألوف، وهو يبات وحده وعم سالم الغفير يبلغ فرار الساعة الثانية ذاهبا لبيته ويأتي صباحا قبل وصول الموظفين.

 

 تهيأ للعملية وهاجس الضمير يلح عليه ألا يفعل، والعذابات التي يعانيها تبرر له ما سيقدم عليه ليبدأ حياة أخرى بلا شقاء، فلم لا يضرب ضربة يستريح بها بقية عمره؟!

 

 ذهب سالم غير معقب، وعندما عم السكون جوانب الشونة إلا من نقيق الضفادع وعواء الكلاب الشاردة حولها وأزيز الناموس المتكوم حول الإضأءات الخافتة المترامية هنا وهناك

زحف عبدالصبور ناحية الغرفة التي بها مكاتب الموظفين، بداخلها الخزنة الموضوعة بجوار حائط يستند عليه مكتب المحاسب بحيث لا يمر أحد ناحية الخزنة، كان يحمل معه أدوات تعاونه على كسرها، حيث أن عمله في التحميل يحتاج مثلها لكسر أقفال وجذب الأجولة وهكذا، لذا عندما أخذ القرار كانت كل الأمور مستتبة.

 

 العرق ينز من كل جسمه ودقات قلبه يزداد عددها مع قرب الخطوات  من الهدف المنشود...

لكن فجأة سمع همسات غير صوت أنفاسه، فارتمى بعيدا بجوار الغرفة، لمح شخصين يقتربان وهما ملثمان، كتم أنفاسه وانتظر فإذا بهما يفتحان الغرفة بعد أن ضربا القفل بمرزبة، ودلفا بداخلها يقصدان الخزنة

(إذن هما أيضا لصان يريدان ما أريد )...هكذا حدث نفسه

ماذا يفعل...ماذا يفعل..وهو غارق بالتفكير أخرجا الخزنة لخارج الغرفة، فانقض عليهما بما في يديه من أدوات فخرا على الأرض وسقطت الخزنة على أحدهما فلم يستطع الحركة والثاني فزع وانطلق جريا إلا أنه أطلق عيارا ناريا أصاب به عبد الصبور في رجله...

 

 مع دوي طلقة الرصاص انتبه جيران الشونة من سباتهم، هرع الكل واتضح الأمر لكل الناس

 

 بالصباح كانت ألسنة الناس تلوك بالحادثة وأنه لولا شجاعة الفتى عبدالصبور لنهبت الشونة وخزنتها وأخذ كل منهم يحكي القصة بطريقته، وأن اللصوص كانوا عشرة ومعهم آليات كثيرة وعبدالصبور استطاع أن يتغلب عليهم بدهائه وأمسك أحدهم ولكنهم قتلوه...وهكذا من حكايات خيالية تحلى بها المجالس والسهرات.

 

أما عبدالصبور بعد أن أفاق من عملية إخراج الرصاصة من قدمه بالمستشفى، وجد الجميع ينعتونه بالبطل والكل يلتف حوله حتى وكيل الوزارة زاره ومنحه شهادة تقدير ومعها شيك بخمسة آلاف جنيه كهدية وقرر أن يعمل في وظيفة مخففة داخل المكتب ولا يعمل بالتحميل

جزاء جسارته وجرأته وحفاظه على المال العام,

 عيناه تبرقان وهو يتأمل الشهادة وبالكاد يقرأ اسمه فيها، يناجي نفسه (آه لو علموا ما كنت سأفعله حقيقة...).

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة